الاثنين، 22 أغسطس 2011

حصار المقر الخالى.


المشهد مدهش وتاريخى.. ثم إنه مستقبلى أيضا..
بمعنى أن صعود شاب مصرى نقّاش لا ناشط سياسى ولا دياولو لإسقاط علم إسرائيل من فوق المبنى الذى تقع فيه سفارة إسرائيل، يؤكد أن كراهية وعداء ورفض الشعب لإسرائيل ليس موضوعا يستلزم سياسة ولا ثقافة ولا نشطاء، بل هو فى ضمير كل مصرى بصرف النظر عن أى فوارق وعى وتعليم وثقافة، ثم إن إزاحة العلم الإسرائيلى تكاد تكون رسالة عفوية تلقائية مغموسة بالحماس المفرط إلى حسنى مبارك شخصيا الذى جعل السفارة الصهيونية حصنا منيعا عن أى مظاهرة احتجاج وأى مساس جماهيرى بها، فإذا بالشعب حين يصمم على الاحتجاج ضدها وأمامها إنما يعلن نهاية عصر الحماية الرسمية لإسرائيل (بالمناسبة ما مشاعر ضباط الشرطة العسكرية الذين ضربوا وقاموا بتركيع وحبسوا شبابا من المتظاهرين فى 15 مايو الماضى حين احتجوا واعتصموا عند سفارة إسرائيل وهم يشاهدون الآن تصميم وإصرار الشباب على التظاهر فى ذات المكان والاعتصام فيه لا نفع ضرب ولا حبس ولا إهانة ولا تركيع معهم؟).
لكن فى هذا الزحام النفسى من المشاعر المختلطة بالبهجة والكراهية يجب أن ننتبه لأن ما فعله الشاب المتسلق عمل رمزى فقط وليس أبعد من ذلك (شاب متظاهر آخر سبق وتسلق صارى علم الشرطة أمام مديرية أمن الإسكندرية منذ أسابيع انحيازا للشهداء فى مواجهة التواطؤ).
التسلق وإنزال العلم أو إحراقه تنفيس صحيح ورمز يحمل دلالة واضحة، لكنه ليس هدفا ولا بطولة وليس إنجازا وطنيا، بل على وجهه الآخر هو انتهاك للأعراف الدولية وللقانون الدولى الذى نطالب إسرائيل باحترامه ونغضب من انتهاكها له طيلة الوقت، وكما يبعث هذا الموقف برسالة رفض وكراهية إلى إسرائيل يبعث إلى العالم الذى انبهر بسلوك الثورة المصرية وقلدها فى كل بقاع الدنيا أننا نخرج عن التعبير السلمى وننتهك حقوقا للسفراء وللسفارات، وما حدث أمس أمام إسرائيل هل سنستطيع منعه لو قررت أى مظاهرة إسلامية مثلا فعله ضد سفارة بلد اتهموه بالإساءة إلى الإسلام أو النبى صلى الله عليه وآله وسلم؟
ووسط هذه المظاهرات والاعتصامات المنفجرة غضبا أمام سفارة العدو الصهيونى ترفرف راية مكتوب عليها شهادة «لا إله إلا الله» وتلوح كذلك فى أيدى كثيرين صور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، والأمر يستحق توقفا منوها بتحالف كل القوى الوطنية والإسلامية فى مواجهة عدو لنا جميعا، إلا أن تحويل هذه المواجهة إلى صراع بين دين ودين أمر خطر، حيث رأيت لوحة أخرى تقول إن نقطة دم واحدة من مصرى تساوى دماء كل يهود العالم، وهى لوحة تعبر عن رغبة وتصميم المصرى فى الحفاظ على كرامته ودم شهدائه، وهذا عظيم ورائع لكن لا يجب أن يكون أعداؤنا هم اليهود بل الصهاينة الإسرائيليون، والعالم يضم يهودا ضد إسرائيل وضد الصهيونية ومتعاطفين مع الحق العربى، ونحن مأمورون باحترام كل الأديان، فأرجوكم لا نتورط فى صراع دينى وفى عنصرية ضد دين سماوى يعترف به كل مسلم!
كما أن رفع رايات الإسلام فى مواجهة اليهودية تخرج من الساحة ملايين العرب المسيحيين بل والفلسطينيين المسيحيين كذلك من معركة المواجهة، وهو ينتقص من قوتنا ومن وحدتنا على ما أظن. نحن أمام عدو يستخدم الدين بكل عنصرية ووقاحة لكن لا يجب أن يجرنا أبدا إلى أن ندخل حربا دينية، رغم أن الدين بالقطع فى قلب هذا الصراع، وهنا تبدو أهمية التنبه وخطورة التفلت!
أما صور عبد الناصر فهى رمز للعزة والكرامة العربية والمصرية، وهو رجل بألف رئيس مما تعدون، لكن لا تنسوا أنه سبب المصيبة التى نعيشها الآن، وهو الزعيم العظيم المهزوم الذى سحقته إسرائيل فى يونيو 67 واحتلت سيناء والجولان والضفة وقطاع غزة الذى كان تحت مسؤولية وإدارة مصر عبد الناصر، فالمؤكد أن صور عبد الناصر هى رمز للعزة وللاستقلال الوطنى، لكنه زعيم مهزوم أمام تل أبيب، عندما نرفع صوره لإغاظتهم مثلا فمن الواضح أنهم لن يغتاظوا، فقد هزموه شر هزيمة بقدر ما احترموه فعلا، لنجعل صور جمال عبد الناصر فى حصار سفارة إسرائيل تذكرنا أن الحماس وحده لا يكفى وأن العداء وحده لا يكفى وأن حسن النية وسلامة القصد وإيمان العزم لا يقدرون على صنع نصر وأن الديمقراطية والحرية طريق النصر على إسرائيل فى معارك الاستقلال والتحرير والتنمية والتقدم.
المثير للعجب فى هذا المشهد الاحتجاجى أن السفير الإسرائيلى غير موجود بمقر السفارة، بل والقائم بالأعمال كذلك غير موجود، والأعجب أن الحكومة عندما أرسلت خطاب الاستدعاء وجدت مواطنا إسرائيليا فى زيارة للسفارة ولم تجد أى مسؤول، فالسفارة خالية تماما من موظفيها وعامليها، وهو ما يؤكد رمزية المشهد كله، فنحن نحتج ونحاصر مقرا خاليا!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق